الأحد، ٢٣ أيار ٢٠١٠

تفاصيــل ديمة ونّوس !

تضع ديمة ونوس شخصيات قصصها «تفاصيل» ( دار المدى) تحت المجهر، تدرسها بعدسة مقرّبة لتكشف آلامها الداخلية في لحظة مفصلية من حياتها. الشخصيات التسع التي تتناوب فضاء المجموعة، هي نماذج من مجتمع يعيش تناقضات فرضتها قيم جديدة، تبدو في سطحها الأول صورةً راسخةً على جدار صلب. وإذا بها فجأة تتعرض إلى زلزال يطيح ثباتها لتجد نفسها في العراء. من هذا الباب الموارب، تدخل ونوس إلى هجاء واقع مرير، وفضح آلياته التي أفرزت نماذج هجينة تنتسب إلى ثنائية «القامع والمقموع»، وفق ما يشير فيصل دراج في تقديم المجموعة.
في التفصيل الأول الذي يحمل اسم «جعفر» صورة لرجل السلطة بكل جبروته، يجد نفسه في نهاية المطاف «وحيداً في المنزل»، بعيداً من عالمه القديم، فهو لم يعد يناسب متطلبات المرحلة. هكذا، يضطر للالتفات إلى تفاصيل كانت تحيطه في المنزل والشارع، لم ينتبه إليها قبلاً. فالخواء قاده إلى اكتشاف عالم آخر. حتى أنّه يزور مثقفاً كان قمعه في مرحلته الذهبية. وها هما وجهاً لوجه ضحايا الهامش والنظرة الواحدة نحو أفكار كانا اختلفا حولها، فجعفر الأمس الذي فقد السلطة يرغب اليوم بأن ينتقم من طبقته بالانتماء إلى الخندق المضاد.
الاشتغال على الثنائيات وحوار الأضداد هو الخيط الناظم لهذه «التفاصيل»: طبقة باذخة وطبقة مسحوقة. أما ما هو رمادي فلا مكان له في خريطة ونوس. هذه الخريطة المرسومة بتلصص وثأرية واضحة. والشخصيات الهامشية هي ضحية قمع تلك الطبقة المتخمة بالرفاهية والسطو والفساد.
لا ترأف ونوس بشخصياتها القمعية، تحاكمها بقسوة من موقع ايديولوجي صارم، بما يشبه تصفية الحساب، ما يوقع السرد في الإنشاء الوجداني. إذ تفتتح معظم تفاصيلها بالوصف الذي لا يخدم المتن الحكائي. هكذا تتمحور التفاصيل حول فضيحة لتنتهي بانكسار الشخصية، ما يجعل القصص متشابهة في سرديتها وعمارتها. إذ إنها تصب جلّ اهتمامها على المصير المحتوم للشخصية وهي تغرق في الحضيض أو التحوّل من حال إلى حال.
تسأل «سهر» التي تعيش شخصيتين متناقضتين في السلوك: «هل العهر حرام يا حجة؟» فتجيبها «ليس حراماً ما دام للزوج». هذا التهكم والسخرية هما الخط الموازي للسرد، وتعويض عما يخسره أبطالها في الضفة الأخرى، من دون ضغينة أو احتجاج.
ما يجمع هذه التفاصيل أنها مكتوبة بمتوالية قصصية: شخصية تُسلّم الحدث إلى شخصية ثانية، ليكتمل العقد على صورة سوداء لمجتمع جديد وطارئ، سحب البساط من تحت أقدام الجميع. وإذا به يحوّل البلاد إلى مزرعة شخصية تحت شعارات جوفاء. لكن الأزمنة السعيدة لا تدوم، إذ تغادر هذه الشخصيات المرسومة بنفس تسجيلي خشبة المسرح بفضيحة تعرّي تاريخها الآفل.

خليل صويلح – الأخبار 2007

هناك ٤ تعليقات:

  1. أحيانا التفاصيل الدقيقة عند جمعها تصبح حقيقة إما جميلة أو موجعة.. اختيار موفق .. تحياتي لك.

    (حملة الجسد الواحد)

    أرجوا من المدونين الموقرين أن يضعوا شعار الحملة في الشريط الجانبي لمدوناتهم تضامنا مع أمة محمد !!

    صورة الشعار .. في مدونتي كركر .. ويكتبون فوقها ..

    (حملة الجـسد الواحـد)

    رابط المدونة

    http://krkr111.blogspot.com

    جعله الله في ميزان حسانتكم .. آمين

    ردحذف
  2. تسلم الانامل
    وكل عام وانت بخير
    اسمحلي بالمرور

    ردحذف
  3. مدونة رائعة...واختيار أدبي رائع
    توغل في التفاصيل المعشّقة بعناية ..يعطي تحفة ادبية في النهاية

    ردحذف
  4. ثقافة الهزيمة .. مغامرات البقرة الضاحكة

    ما قصة لوسي أرتين؟
    ـ لوسي أرتين كانت علي علاقة بالرئيس مبارك والعلاقة بدأت عن طريق زكريا عزمي وجمال عبدالعزيز، و كان فيه رجل أعمال مشهور بيحب يعرف مبارك علي فتيات من دول شرق أوروبا وحسين سالم كان متولي دول غرب أوروبا.

    هل قصر الرئاسة كان يدار بهذه الطريقة؟
    - القصر كان يدار بالسفالة والأسافين والنقار والقمار والنسوان وقلة الأدب ودا كل اللي كان شغلهم ومصلحة البلد بعدين .

    هي سوزان كانت بتحس بالغلط اللي كان بيعمله الرئيس؟
    - هي كانت مقهورة من اللي بتشوفه والنسوان داخلة طالعة قدامها واللي جايين من أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية ومش قادرة تتكلم وبتبكي علي طول بسبب اللي بتشوفه وأحيانا كنت بأصبرها وأقولها مصر مافيهاش غير سيدة أولي واحدة، بس بعدها قرر الرئيس أن ينقل جلساته الخاصة في شرم الشيخ وبرج العرب

    ھل تزوج علیھا؟
    -لا ھو مش محتاج یتجوز .. البركة في زكریا عزمي وجمال عبدالعزیز. …باقى المقال ضمن مجموعة مقالات ثقافة الهزيمة ( بقلم غريب المنسى ) بالرابط التالى

    www.ouregypt.us

    ردحذف